الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه واتبع سنته إلى يوم الدين.
وبعد،
فقد سرت عدوى الاستشعار عن بعد هذا العام 1430 هـ إلى هلال ذي الحجة الذي يقف المسلمون في التاسع منه بعرفة، فأعلن هذا المركز الفلكي الموجود بطرابلس الغرب أن الشهر يبدأ يوم الثلاثاء الموافق 17/11/2009، على قاعدته في بداية الشهور القمرية في أنه متى ما حدث اقتران الشمس مع القمر قبل الفجر فاليوم الذي يلي ذلك يكون بداية الشهر، ولا شك أن الحرج في هلال ذي الحجة أشد، فقد يصوم المرء وحده، وقد يفطر وحده ويخفي ذلك ويُسِرُّه، لكنه لا يقدر أن يقف بعرفة وحده، ولا أن ينحر أضحيته أو يصلي العيد وحده.
الاقتران ليلة الثلاثاء المعلن بداية للشهر يحدث عند الساعة 9:14 مساء، أي أن الهلال عند غروب تلك الليلة لم يولد بعد! ومع ذلك فالشهر على اصطلاحهم الذي اخترعوه على خلاف الشرع قد بدأ، وقد تعود الناس أن يحصل مثل هذا في سنوات ماضية، ثم يحصل تدارك للأمر وتراجع قبل يوم عرفة فيُعَدَّل التاريخ بما يوافق وقوف المسلمين بعرفة، لأن وقوف عرفة لا يمكن الاختلاف عليه ولا تعدده زمانا ولا مكانا، والجديد هذا العام أن الناس فوجئوا ليلة الخميس الذي هو التاسع من ذي الحجة في حسابهم وقد بيتوا صومه ـ فوجئوا ليلتها عند الساعة الثانية بعد منتصف الليل بإعلان في شريط إخباري مكتوب في أسفل شاشة فضائية قناة الجماهيرية أن يوم الخميس هو أول أيام عيد الأضحى، وعلى خلاف العادة في مثل هذا الإعلان الذي يهم الناس جميعا لم تتبن هذا الإعلان أي جهة رسمية، ولم يُذكر مصدره، وتحير الناس حيرة شديدة، فمنهم الصائم والمفطر والمصلي للعيد والممتنع، وتنغص العيد وتلاشت البهجة، فكانت عرفة للمسلمين قاطبة يوم الخميس، ولمركز الاستشعار عن بعد يوم الأربعاء، وكان إعلانه عنها بعد فواتها !!
يوم عرفة خصه الله تعالى بعبادات من صوم وذكر وتنزل للرحمات، فتحديد زمانه يتم عن طريق الشرع، كما تم تحديد مكانه، قال الله تعالى: ]يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَهِلَّةِ ۖ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ[، وقال *: =وقفت ها هنا وعرفة كلها موقف+، فليس لمركز فلكي ولا لأي جهة أخرى أن تُقَرِّره على خلاف ذلك، فالعبادات توقيف من الله تعالى، ولا يقبلها الله إلا على الوجه الذي أمر به وشرعه، فمن ذبح أضحيته في اليوم الذي وقف فيه المسلمون بعرفة، فهي شاة لحم، وليست أضحية، لأنه ذبحها قبل وقتها وهو يوم الأضحى، فإن التقرب بالذبح في هذا اليوم عبادة، والعبادة لا تصح قبل وقتها، فمن ذبح قبل الوقت، كمن صلى الظهر قبل وقتها، سواء بسواء، لا تقبل منه، وهو آثم بفعله متعد حدود الله تعالى التي حدها لوقت عبادته، ]وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ الله فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ[، ]وَمَن يَعْصِ الله وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُّهِينٌ [، وقل مثل ذلك فيمن صلى العيد قبل اليوم الذي شُرعت فيه، فإنه متعد لحدود الله، ومغير لأحكامه، قال *: =وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.
وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
الصادق بن عبد الرحمن الغرياني
27 ذو الحجة 1430 هـ
الموافق 14 / 12 / 2009