الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله خاتم النبيين، وعلى آله وصحبه ومن والاه إلى يوم الدين، أما بعد:
فاعلم أخي المسلم رحمنا الله جميعاً أنّ من المصائب العظيمة التي حلّت بالمسلمين في هذا الزمان: متابعتهم غير المسلمين من اليهود والنصارى وغيرهم من أهل الملل الكافرة وتشبههم بهم، حتى تحقّق في غالبنا قول النبي: «لتتبعن سنن من كان قبلكم حذو القُذة بالقذة، حتى لو دخلوا جُحْرَ ضب لدخلتموه» قيل: يا رسول الله اليهود والنصارى؟! قال: «فمن؟» (صحيح، رواه الإمام أحمد).
أي: فمن أعني غيرهم!. وفي رواية: «حتى لو أن أحدهم جامع أمه بالطريق لفعلتموه» (رواه مسلم).
الله أكبر إنها السنن، حتى أصبحنا لا نميز اليوم غالبية المنتسبين للإسلام عن غيرهم، وانقسمت هذه الغالبية إلى أقسام عديدة:
- قسم: أعرض عن الدين إعراضاً تاماً، واتبع هواه وكان أمره فرطاً، فما عاد يعرف من الدين إلا الاسم، ولا من معالمه إلا الرسم، إما تكبراً واحتقاراً لأهله وموالاة لأعداء الدين، وإما إعراضاً عنه وانشغالاً بالدنيا وتكالباً على حطامها الفاني وهؤلاء كثرٌ، وهم محسوبون على الإسلام بأسمائهم وأنسابهم والله المستعان.
- وقسم ثان: وجد أن نفسه لا تطيق الثبات والتمسك بهذا الدين الذي كان عليه القرن الأول من صحابة النبي، لأن في ذلك الالتزام بالوحيين والعض على السنة النبوية بالنواجذ، وفيه مرارة قول الحق والصبر عليه، ولما لم يقدروا أن يفعلوا ذلك حاولوا أن يجمعوا بين الإسلام وغيره ليخرجوا لنا إسلاماً عصرياً، ليوافق بذلك أهواء الذين لا يعلمون ويرضيهم فذهبوا يلوون أعناق الآيات والأحاديث ويحملونها على غير محملها ويتشبهون بأصحاب الجحيم من اليهود والنصارى والمجوس في غالب ما يفعلونه من عاداتهم وهيئاتهم ومعايشهم وهؤلاء أيضاً كثر، ولا نشك أنهم من ذلك الغثاء الذي ذكره النبي: «بل أنتم يومئذ كثير؛ ولكنكم غثاء كغثاء السيل» (رواه البخاري ومسلم).
حتى ولو كان كثير منهم يظهر بقالب الإسلام الظاهري، وربما بمظهر الدعوة والحرص على مصلحتها ومصلحة الدين، إلا أنهم يستنّون بغير سنة النبي صلى الله عليه وسلم وهديهم مغاير لهديه وأحسب أنهم ليسوا ممن ينتصر الدين بهم، وإن كثروا وامتلأت أقطار الدنيا بأمثالهم.
- وقسم ثالث: وهم الذين هداهم الله إلى الحق وثبت أقدامهم، فلزموا كتاب الله عز وجل وما تركهم عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم من الهدى ودين الحق، لا يفارقونه ولا يبدلونه حتى يلقوه صلى الله عليه وسلم على حوضه، وهؤلاء هم أهل الحق والطائفة المنصورة التي قال فيها النبي: «لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله وهم كذلك» (صحيح رواه الحاكم).
جعلنا الله منهم فهم أهل الفوز والفلاح، وهم أبعد الناس من التشبه بالكفار، فهم المعتزون بدينهم العظيم، لأن العزة لله ولرسوله وللمؤمنين.