يا بُنيتي: لعلكِ عاتبة عليّ إذ خصصت أخيك وأقرانه برسالة:"يا بني: هذا نبيُك يأمرك بإتقان لسانهم". ولعل "الغيرة" قد دبت في نفسك ـ كما الحال في بعض شأنك ـ "لماذ لم يخصني وأترابي برسالة مماثلة؟". لا عليكِ..خففي من حدتك تلك, فها قد جاء دورك، وحان أوان رسالتك ـ فاسمعي ولبي، فأمرُك، وأترابك، أعظم شأناً، ومهمتكن أعمق أثراً، وما يحيط بكن من تحديات، وما يترصدكن من سهام أكثر خطراً. لكن "الوقاية" منها جميعا ..كتاب الله تعالي، وسُنة نبيه محمد صلي الله عليه وسلم، وعمل السلف الصالح من هذه الأمة.
يابنيتي: إن "حصوننا الأسرية مُهددة" من الخارج والداخل في آن معاً. وبعيداً عن التفكير التآمري هناك من يريد لهذه "المواثيق الغليظة" أن تنفصم عراها، ولهذه الحصون العتيدة المتبقية من حصوننا أن تـتهدد، بل أن تتهدم، وفي هدمها هدم للمجتمع كله. فالتهديد ومحاولات الهدم مصدرها إما خارجي: كالترويج لأنماط من المعاشرة تصطدم مع ديننا الحنيف، وحملات مسعورة للإثارة والتحلل والإباحية وتجارة الجنس في عولمة ثقافية تجتاح الخصوصيات والحواجز الأخلاقية، و"صناعة للفقر وتكريسه" ينعكس في تدني معدلات التنمية، والتغييرات الاجتماعية العميقة، والبطالة، وتأخير سن الزواج، وإباحة الإجهاض، والترويج لما يسمى "الاستقلال الاقتصادي للمرأة" الخ••أو أسباب أخرى داخلية: مثل تدني الوعي بالمسؤوليات والواجبات الأسرية، وانقلاب نسق القيم المجتمعية، وتفشي أنماط التعليم والإعلام غير المنضبط بقيم المجتمع، وإهمال الزوجان للأسرة بحثاً عن المال، والتباين الحاد لأسلوبهما في تربية الأبناء، وخلافتهما المستمرة، والغيرة الشديدة، والعنف والعناد، ولهث الأسرة وراء الاستهلاك الترفي، والفراغ، والإحباط، والفساد، وانتشار المخدرات••الخ. ومع توالي الأيام تقف هذه الأسباب ـ فرادى أو مجتمعةـ فتؤدي إلى تزايد معدلات الطلاق والخُلع.(ولتستزيدي راجعي مقال لكاتب السطور: حصوننا الأسرية مهددة، ما سبل حمايتها وتقويتها؟، مجلة الوعي الإسلامي: 466، جمادى الآخرة 1425هـ ـ يوليو/ أغسطس 2004م ص:76ـ80، الكويت).
أي بُنية: إنني أربأ بك ـ أيتها العاقلةـ أن تكوني سهما في كنانة أعداء الملة يرمون به الإسلام، وأنت لا تشعرين. وأربأ بكن أن يتخطفكن طوفان الباطل وبهرجته وصرعاته، وحملاته وهجماته البربرية الشرسة. فأنت، وأترابك، تتحدين هؤلاء الأعداء كل يوم بتمسككن والتزامكن بشرائع وشعائر دينكم، وإحتضانكن كتاب ربكم، وإهتدائكن بسنة نبيكم، وسيرة سلفكم الصالح.
يا بُنيتي: لقد كانت أمك "خديجة"، رضوان الله عليها، غُرّة ناصعة في جبين التاريخ عامة، والعلاقات الأسرية خاصة. فهي شريفة قريش، ومن أعرق بيوتها نسباً، وحسباً، وشرفاً، وكانت ذات مال، وتجارة رابحة، ونجابة بادية. نشأت على التخلق بالأخلاق الحميدة.. عقلاً وحزماً وفطنةً وحصافة وعفة وطهارة. فلُقِّبت في الجاهلية بـ(الطاهرة)، وكانت مضرب المثل في طهارتها، وحكمتها وحصافتها. كما لقب نبـُيك صلى الله عليه وسلم، في ذات البيئة، بـ"الصادق الأمين". ولقد اختارتها العنايةُ الربّانيّة لتكون زوجةً بارَّةً مخلصة لنبيك، فتزاوج الصدق والأمانة ثم النبوة والرسالة، بالطهر والعفة والفطنة والعقل والحزم.. فكان مزيجاً من القيم غير مسبوق.. لم ولن يكون. فأغترفي بنيتي واشربي من ذلك المَعين الذي لا ينضب، وتسربلي بسرابيل تلك القيم، وتأسي بتلكم الأسوة:"لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا"(الأحزاب:21).